يا أمة محمد يكفيكم لهوا يكفيكم مجون يكفيكم غفلة . فالننظر الى حالنا ألى حالنا وألى ما وصلنا له . ألا يكفيكم موعضه الموت وخاصة موت الفجئة التى هي أحد علمات الساعة
حالنا اليوم مع الفتن الامم العربية على غرار أمنا مصر وسوريا و اليمن والعديد من الدول العربية . دائما مانلقى باللوم للحكام وأحزاب السياسية وأنا لا أدافع على أحد . قال الله تعالى في كتابة الكريم : ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) الرعد:11
من أراد الصلاح فاليبدأ من نفسه كل واحد يبدأ بنفسه وليس مطلوب منك الكثير أصلاح نفسك فقط .
فطريق الباطل بين ودرب الحق بين فلنبتعد عن المنكرات وكل ما يسئ لديننا.
فمن كان طالبا للعلم فليركز على طلبه للعلم فهذه هي مسئوليته.
ومن كان رب أسرة فهو مسئول عن تربية ابناءة التربية الصالحه وليكون هو بنفسه مثالا جيدا لأبناءه.
وعزيزتي الام ابناءك امانه فمن واجبك تربيتهم التربيه الصالحه والانتباه لهم والاهتمام فيهم.
متى ما صلحت الاسرة صلح المجتمع ومتى ما صلح المجتمع صلحت البلد ومتى ما صلح البلد صلح حاكمها.
فوالله سنشاهد صلاح أمتنا بأمي أعيننا .
أما الكارثة التى نعيشها في زماننا وهي العمى والجهل . هي الغفلة عن الموت . نعم الموت يا أمة محمد . ولكم موعضة مزلزلة عن الموت
وهذه خطبة مكتوبة للإمام الخليل سامي بن خالد الحمود :
تعالوا بنا اليوم نؤمنْ ساعة .. تعالوا بنا اليوم نجلس مع أنفسنا جلسة تزكية ومصارحة .. نقلب فيها بعض الصفحات .. ونستلهم شيئاً من العظات .. لعل الله تعالى أن يجمعنا في غرفات الجنات .
أتحدث إليكم اليوم عن حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، من أنكرها كفر، و أصلاه الله سقر .. حقيقة عظيمة أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها ولا يحبون الحديث عنها.. إنها حقيقة الموت ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (كلّ نفس ذائقة الموت وإنما تُوَفَّوْن أجوركم يوم القيامة.فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .
إنها الحقيقة الكبرى .. كل حيٍ سيفنى ، وكل جديدٍ سيبلى .. وما هي إلا لحظةٌ واحدة ، في مثلِ غمضةِ عين ، أو لمحةِ بصر ، تخرج فيها الروح إلى بارئها ، فإذا العبد في عداد الأموات .
ذهب العمر وفات .. يا أسير الشهوات .. ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات .. بينما أنت على غيك حتى قيل مات .
عباد الله .. ونحن في غفلة الحياة، كثيرًا ما نفاجأ باتصال أو رسالة أو غير ذلك أن فلانًا مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته، وذلك مصداق حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلالُ قُبُلاً فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة) . رواه الطبراني وحسنه الألباني .
عجبًا لنا! كيف نتجرؤ على الله وأرواحنا بيده؟! وكيف نستغفل رقابته والموت بأمره ؟.
وقد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال ملك الموت: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد! قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟!
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب / متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً و نرجو نتاجها / وعلَّ الردى عمَّ نرجيه أقرب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا / وفي كل يوم واعظ الموت يندب
إلى الله نشكو قسوةً قد عمت، وغفلةً قد طمت، وأياماً قد طويت، أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات.. كم من قريب دفناه، وكم من حبيب ودعناه، ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا ، لنغرق في ملذاتها.
بل ربما ترى بعض المشيعين يضحكون ويلهون، أو يكونون قد حضروا رياء وسمعة بسبب الغفلة وقسوة القلوب .
عباد الله .. ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، ليلةٌ في بيته، مع أهله وأطفاله، منعما سعيدا، في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه .
والليلة التي تليها، بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذريةٍ ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد استفحل الداء، وفشِل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب، (وجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
ونزلت به السكرات، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله، من أهله وأولاده، وأحبابه وجيرانه، ينظرون إليه وهم عن إنقاذه عاجزون، (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) .
ولا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع .. حتى إذا جاء الأجل، ونزل القضاء، فاضت روحه إلى السماء، فأصبح جثة هامدة بين أهله .
هناك .. ينقسم الناس عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، ينقسمون إلى فريقين: أما الفريق الأول فحالهم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، ألا تخافوا مما أمامكم من أهوال الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفكم في الدنيا من الأهل والولد والمال، نحن أولياؤكم في الآخرة، نؤنسكم من الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور .
أما الفريق الثاني من الكفار والفجار ، فحالهم: (وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).
تزود من الدنيا فإنك لا تدري / إذا جنَ ليلُ هل تعيشَ إلى الفجرِ
فكم من صحيحٍ مات من غيرِ علةٍ/وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهرِ
وكم من صغارٍ يرتجى طولَ عمرِهم/وقد أُدخلت أجسادُهم ظُلمةَ القبرِ
وكم من عروسٍ زينوها لزوجِها/ وقد نُسجت أكفانُها وهي لا تدري
أيها المسلمون أيها المسلمات: وصية محمد صلى الله عليه وسلم ((أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها). كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة .
وقد قيل: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة .
واعلموا أن تذكّر الموت لا يعني كثرةَ الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط، إن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء الخاتمة .
والأعمال بالخواتيم ، كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :(فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
فياليت شعري ، كيف تكون خاتمتنا ، وبم يختم الله أعمارنا وأعمالنا؟
لما حضرت محمدَ بن المنكدر الوفاة بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئًا حسبته هينًا وهو عند الله عظيم.
واسمع معي لسعيد بن جبير رضي الله عنه، يوم يروي لنا قصة صحيحة متواترة، كما قال الذهبي في سيره، فيقول: لما مات ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، جاء طائر لم يرَ على خلقته مثله فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دفن إذا على شفير القبر، تالٍ يتلو، لا يُرى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)، فيا لها من خاتمة، ويالهُ من مصير.
أين هذه الخاتمة مما وقع لعدد من الشباب، كانوا يستقلون سيارتهم، والموسيقى تصدح بينهم بصوت مرتفع، وهم غافلون، وأبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا.
وفجأة ، وقع الحادث، وانقلبت السيارة عدة مرات، ثم حمل المصابون على سيارة الإسعاف، وكان أحدهم مصابًا بإصابات بليغة، ويتنفس بصعوبة ، فقال له رجل الأمن: يا فلان قل لا إله إلا الله، يا فلان قل لا إله إلا الله، فرد عليه: هو في سقر.. هو في سقر، ثم أغمض عينيه وأرخى رأسه ومات، فسأل رجل الأمن صاحبيه: أكان يصلي؟ قالوا: لا والله، ما كنا نصلي جميعًا.
فيا من من قطعت صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟! ويا من أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد؟! ويا من أدمنت الخمور والمخدرات ووقعت في الزنا وهتك الحرمات؟! ويا من ظلمت العباد وسعيت بالفساد؟! هل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم يحال بينك وبينها كما فعل بغيرك؟! (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّ مُّرِيبِ) .
يا هاتِكَ الحرمات لا تفعَل، يا واقعًا في الفواحشِ أما تستحي وتخجَل؟! يا مبارزًا مولاكَ بالخطايا تمهَّل، فالكلام مكتوب، والقولُ محسوب، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) .. والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى ...
عباد الله .. كفى بالموت واعظا.. ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لكنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وكل ذلك هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس ، وتنخلع له القلوب .
روى الترمذي وغيره وحسنه الألباني أن عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه . قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا القبرُ أفظعُ منه .
القبر أول منازل الآخرة,فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة, وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار, ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويملأ عليه نوراً ونعيماً إلى يوم يبعثون, وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه .
وروى الطبراني وصححه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: ((من صاحب هذا القبر؟)) فقالوا: فلان، فقال: ((ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم)) وفي رواية قال : ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم)).
الله أكبر .. غاية أمنية الميت المقصر أن يُمدَّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة .. فأين نحن من هذا المقام .
يا غافـلاً عن العمل *** وغرَه طـولُ الأمـل
الموتُ يأتـي بغتـةً *** والقبرُ صندوق العمل
القبر صندوق العمل، وكل ما وضعت في الصندوق سيكون معك بعد موتك .
زر قبَرك في الأسبوعِ مرهً، في الشهر مرة، ثم قل: هذا صندوقي، هذا فراشي، هذه داري، سأسكنها وحدي.. هل وضعت فيها عملاً صالحاً، أم أودعتها خيبة وحسرة.
إذا زرت المقبرة قف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك. فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟! ها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى فاعمل صالحا قبل أن تعضَّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى .
إذا هممتَ بمعصية، تذكّر أماني الموتى، تذكّر أنهم يتمنّون لو عاشوا ليطيعوا الله، فكيف تعصي الله؟ .. إذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي، واعلم أن ملايين الموتى يتمنون مثل الدقيقة التي تمر من حياتك ليستثمروها في طاعة الله، وذكره والتوبة إليه، فلا تضيع دقائق عمرك ، لئلا تتحسر في آخرتك .. (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
أتحدث إليكم اليوم عن حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، من أنكرها كفر، و أصلاه الله سقر .. حقيقة عظيمة أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها ولا يحبون الحديث عنها.. إنها حقيقة الموت ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (كلّ نفس ذائقة الموت وإنما تُوَفَّوْن أجوركم يوم القيامة.فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .
إنها الحقيقة الكبرى .. كل حيٍ سيفنى ، وكل جديدٍ سيبلى .. وما هي إلا لحظةٌ واحدة ، في مثلِ غمضةِ عين ، أو لمحةِ بصر ، تخرج فيها الروح إلى بارئها ، فإذا العبد في عداد الأموات .
ذهب العمر وفات .. يا أسير الشهوات .. ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات .. بينما أنت على غيك حتى قيل مات .
عباد الله .. ونحن في غفلة الحياة، كثيرًا ما نفاجأ باتصال أو رسالة أو غير ذلك أن فلانًا مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته، وذلك مصداق حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلالُ قُبُلاً فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة) . رواه الطبراني وحسنه الألباني .
عجبًا لنا! كيف نتجرؤ على الله وأرواحنا بيده؟! وكيف نستغفل رقابته والموت بأمره ؟.
وقد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال ملك الموت: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد! قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟!
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب / متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً و نرجو نتاجها / وعلَّ الردى عمَّ نرجيه أقرب
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا / وفي كل يوم واعظ الموت يندب
إلى الله نشكو قسوةً قد عمت، وغفلةً قد طمت، وأياماً قد طويت، أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات.. كم من قريب دفناه، وكم من حبيب ودعناه، ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا ، لنغرق في ملذاتها.
بل ربما ترى بعض المشيعين يضحكون ويلهون، أو يكونون قد حضروا رياء وسمعة بسبب الغفلة وقسوة القلوب .
عباد الله .. ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في ذاكرته، ليلةٌ في بيته، مع أهله وأطفاله، منعما سعيدا، في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه .
والليلة التي تليها، بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذريةٍ ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد استفحل الداء، وفشِل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب، (وجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
ونزلت به السكرات، وصار بين أهله وأصدقائه ينظر ولا يفعل، ويسمع ولا ينطق، يقلب بصره فيمن حوله، من أهله وأولاده، وأحبابه وجيرانه، ينظرون إليه وهم عن إنقاذه عاجزون، (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) .
ولا يزال يعالج سكرات الموت، ويشتد به النزع .. حتى إذا جاء الأجل، ونزل القضاء، فاضت روحه إلى السماء، فأصبح جثة هامدة بين أهله .
هناك .. ينقسم الناس عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، ينقسمون إلى فريقين: أما الفريق الأول فحالهم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، ألا تخافوا مما أمامكم من أهوال الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلفكم في الدنيا من الأهل والولد والمال، نحن أولياؤكم في الآخرة، نؤنسكم من الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور .
أما الفريق الثاني من الكفار والفجار ، فحالهم: (وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقّ وَكُنتُمْ عَنْ ءايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).
تزود من الدنيا فإنك لا تدري / إذا جنَ ليلُ هل تعيشَ إلى الفجرِ
فكم من صحيحٍ مات من غيرِ علةٍ/وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهرِ
وكم من صغارٍ يرتجى طولَ عمرِهم/وقد أُدخلت أجسادُهم ظُلمةَ القبرِ
وكم من عروسٍ زينوها لزوجِها/ وقد نُسجت أكفانُها وهي لا تدري
أيها المسلمون أيها المسلمات: وصية محمد صلى الله عليه وسلم ((أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا سعة إلا ضيقها). كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة .
وقد قيل: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة .
واعلموا أن تذكّر الموت لا يعني كثرةَ الحزن وطول النحيب مع الإقامة على التفريط، إن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بخوفنا من سوء الخاتمة .
والأعمال بالخواتيم ، كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :(فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
فياليت شعري ، كيف تكون خاتمتنا ، وبم يختم الله أعمارنا وأعمالنا؟
لما حضرت محمدَ بن المنكدر الوفاة بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته، ولكن أخاف أني أتيت شيئًا حسبته هينًا وهو عند الله عظيم.
واسمع معي لسعيد بن جبير رضي الله عنه، يوم يروي لنا قصة صحيحة متواترة، كما قال الذهبي في سيره، فيقول: لما مات ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، جاء طائر لم يرَ على خلقته مثله فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دفن إذا على شفير القبر، تالٍ يتلو، لا يُرى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)، فيا لها من خاتمة، ويالهُ من مصير.
أين هذه الخاتمة مما وقع لعدد من الشباب، كانوا يستقلون سيارتهم، والموسيقى تصدح بينهم بصوت مرتفع، وهم غافلون، وأبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا.
وفجأة ، وقع الحادث، وانقلبت السيارة عدة مرات، ثم حمل المصابون على سيارة الإسعاف، وكان أحدهم مصابًا بإصابات بليغة، ويتنفس بصعوبة ، فقال له رجل الأمن: يا فلان قل لا إله إلا الله، يا فلان قل لا إله إلا الله، فرد عليه: هو في سقر.. هو في سقر، ثم أغمض عينيه وأرخى رأسه ومات، فسأل رجل الأمن صاحبيه: أكان يصلي؟ قالوا: لا والله، ما كنا نصلي جميعًا.
فيا من من قطعت صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟! ويا من أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد؟! ويا من أدمنت الخمور والمخدرات ووقعت في الزنا وهتك الحرمات؟! ويا من ظلمت العباد وسعيت بالفساد؟! هل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم يحال بينك وبينها كما فعل بغيرك؟! (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّ مُّرِيبِ) .
يا هاتِكَ الحرمات لا تفعَل، يا واقعًا في الفواحشِ أما تستحي وتخجَل؟! يا مبارزًا مولاكَ بالخطايا تمهَّل، فالكلام مكتوب، والقولُ محسوب، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) .. والحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى ...
عباد الله .. كفى بالموت واعظا.. ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لكنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وكل ذلك هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس ، وتنخلع له القلوب .
روى الترمذي وغيره وحسنه الألباني أن عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه . قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا القبرُ أفظعُ منه .
القبر أول منازل الآخرة,فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة, وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار, ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويملأ عليه نوراً ونعيماً إلى يوم يبعثون, وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه .
وروى الطبراني وصححه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرٍ فقال: ((من صاحب هذا القبر؟)) فقالوا: فلان، فقال: ((ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم)) وفي رواية قال : ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم)).
الله أكبر .. غاية أمنية الميت المقصر أن يُمدَّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة .. فأين نحن من هذا المقام .
يا غافـلاً عن العمل *** وغرَه طـولُ الأمـل
الموتُ يأتـي بغتـةً *** والقبرُ صندوق العمل
القبر صندوق العمل، وكل ما وضعت في الصندوق سيكون معك بعد موتك .
زر قبَرك في الأسبوعِ مرهً، في الشهر مرة، ثم قل: هذا صندوقي، هذا فراشي، هذه داري، سأسكنها وحدي.. هل وضعت فيها عملاً صالحاً، أم أودعتها خيبة وحسرة.
إذا زرت المقبرة قف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك. فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟! ها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى فاعمل صالحا قبل أن تعضَّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى .
إذا هممتَ بمعصية، تذكّر أماني الموتى، تذكّر أنهم يتمنّون لو عاشوا ليطيعوا الله، فكيف تعصي الله؟ .. إذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي، واعلم أن ملايين الموتى يتمنون مثل الدقيقة التي تمر من حياتك ليستثمروها في طاعة الله، وذكره والتوبة إليه، فلا تضيع دقائق عمرك ، لئلا تتحسر في آخرتك .. (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموت أعظم المصائب :
والموت من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة:106]، فإذا كان العبد طائعاً ونزل به الموت ندم أن لا يكون ازداد وإذا كان العبد مسيئاً تدم على التفريط وتمنى العودة إلى دار الدنيا، ليتوب إلى الله تعالى، ويبدأ العمل الصالح من جديد. ولكن هيهات هيهات!! قال تعالى: وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:24]، وقال سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100،99].
فوائد ذكر الموت :
أخي الحبيب: وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها:
1- أنه يحث على الاستعداد للموت قبل نزوله.
2- أن ذكر الموت يقصر الأمل في طول البقاء. وطول الأمل من أعظم أسباب الغفلة.
3- أنه يزهد في الدنيا ويرضي بالقليل منها، فعن أنس بن مالك أن رسول الله مر بمجلس وهم يضحكون فقال: { أكثروا ذكر هاذم اللذات }، أحسبه قال: { فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقه عليه } [البزار وحسنه المنذري].
4- أنه يرغّب في الآخرة ويدعو إلى الطاعة.
5- أنه يهوّن على العبد مصائب الدنيا.
6- أنه يمنع من الأشر والبطر والتوسع في لذات الدنيا.
7- أنه يحث على التوبة واستدراك ما فات.
8- أنه يرقق القلوب ويدمع الأعين، ويجلب باعث الدين، ويطرد باعث الهوى.
9- أنه يدعو إلى التواضع وترك الكبر والظلم.
10- أنه يدعو إلى سل السخائم ومسامحة الإخوان وقبول أعذارهم.
موعظة
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.
فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا.. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.
ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.
ونحو هذا قال الشاعر:
فيا أخي الحبيب:
أين استعدادك للموت وسكرته؟
أين استعدادك للقبر وضمته؟
أين استعدادك للمنكر والنكير؟
أين استعدادك للقاء العلي القدير؟
وقال سعيد بن جبير: ( الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة ).
الأسباب الباعثة على ذكر الموت
1- زيارة القبور، قال النبي : { زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة } [أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
2- زيارة مغاسل الأموات ورؤية الموتى حين يغسلون.
3- مشاهدة المحتضرين وهن يعانون سكرات الموت وتلقينهم الشهادة.
4- تشييع الجنائز والصلاة عليها وحضور دفنها.
5- تلاوة القرآن، ولا سيما الآيات التي تذكر بالموت وسكراته كقوله تعالى: وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19].
6- الشيب والمرض، فإنهما من رسل ملك الموت إلى العباد.
7- الظواهر الكونية التي يحدثها الله تعالى تذكيراً لعباده بالموت والقدوم عليه سبحانه كالزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضية والعواصف المدمرة.
8- مطالعة أخبار الماضين من الأمم والجماعات التي أفناهم الموت وأبادهم البلى.
سكرات الموت وشدته
أخي المسلم:
إن للموت ألماً لا يعلمه إلا الذي يعالجه ويذوقه، فالميت ينقطع صوته، وتضعف قوته عن الصياح لشدة الألم والكرب على القلب، فإن الموت قد هد كل جزء من أجزاء البدن، وأضعف كل جوارحه، فلم يترك له قوة للاستغاثة أما العقل فقد غشيته وسوسة، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد أضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح، ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت له قوة سمع له عند نزع الروح وجذبها خوار وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه، وأزبد، ولكل عضو من أعضائه سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى تبلغ روحه إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها، وتحيط به الحسرة والندامة إن كان من الخاسرين، أو الفرح والسرور إن كان من المتقين.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان بين يدي النبي ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: { لا إله إلا الله إن للموت سكرات } [البخاري وفي لفظ أنه كان يقول عند موته: (اللهم أعني على سكرات الموت) أحمد والترمذي وحسنه الحاكم]. والسكرات هي الشدائد والكربات.
وتشديد الله تعالى على أنبيائه عند الموت رفعة في أحوالهم، وكمال لدرجاتهم، ولا يفهم من هذا أن الله تعالى شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة والمخلطين، فإن تشديده على هؤلاء عقوبة لهم ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا.
فيا أيها المغرور:
يا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟ واعجبا لك من راحل تركت الزاد في غير رحلك!! أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رقادك ويزول هذا الوسن. قال يزيد بن تميم: ( من لم يردعه الموت والقرآن، ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع!! ).
رسل ملك الموت
ورد في بعض الأخبار أن نبيا من الأنبياء عليهم السلام قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك، ليكون الناس على حذر منك؟ قال: نعم، لي والله رسل كثيرة: من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهموم، وتغير السمع والبصر.
وفي صحيح البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { أعذر الله إلى امرئ بلغة ستين سنة }.
وأكبر الأعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم، ليتم حجته عليهم كما قال سبحانه: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، وقال سبحانه: وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، قيل: هو القرآن وقيل: الرسل وقال ابن عباس: هو الشيب.
رحلة الموت
|